مقالات

لماذا لا تُبادر (إسرائيل) لعمل عسكري ضد غزة في هذه المرحلة!؟

عادل ياسين

عادل ياسين – صحفي مختص بالشأن الإسرائيلي

سؤال يُردده الكثيرون – كيف يُمكن (لإسرائيل) التي تعتبر نفسها دولة عظمى ولديها أقوى جيش في الشرق الأوسط لما يمتلكه من إمكانات هائلة أن تقف مكتوفي الايدي أمام تتالي الصفعات وتعدد الضربات على الجبهة الشمالية والجنوبية على حد سيان وتكتفي بالرد النسبي المدروس الذي يُجنبها الدخول في مواجهة مباشرة أو الاكتفاء بترديد أسطوانة (سنرد في الزمان والمكان المناسب).

رغم الانتقادات والاتهامات التي يوجهها المحللون والجنرالات السابقون للحكومة؛ بل إن العميد احتياط تسفيكا فوجل وصفها بمجموعة من اللصوص الصغار التي تفتقر إلى الجرأة لاتخاذ قرارات حاسمة خصوصا بعد ان أثبتت الأحداث الأخيرة فشلها في تغيير المعادلة أمام غزة وأن الحديث عن تحقيق الردع وحالة الاستقرار والهدوء التي ستنعم بها المنطقة على مدار خمس سنوات قادمة لم تكن إلا مجرد أوهام وأحلام تحطمت على أرض الواقع وهو ما اعترف به عوفر شيلح عضو لجنة الخارجية والأمن سابقا.

إلا أن قراءة ثاقبة للواقع الإسرائيلي وللأحداث المتتالية يدل على ان هناك اعتبارات كثيرة تمنع الحكومة الإسرائيلية للإقدام على عمل عسكري ضد غزة:

  1. الاعتراف بان العمل العسكري أمام غزة فقد فعاليته والإدراك بانه سيجبي منها ثمن يصعب عليها دفعه خصوصا بعد الجولات والعمليات التي خاضتها امام غزة على مدار السنوات الماضية والتي راكمت من إخفاقاتها السياسية والعسكرية وهو ما اعترف به الوزير نحمان شاي قائلا: يبدو بأن الحل أمام غزة لا يقتصر على العسكري لأننا لم ننجح في كبح حماس من خلال الضربات والعمليات العسكرية بدءا من عملية الرصاص المسكوب مرورا بعامود السحاب والجرف الصامد التي استمرت قرابة شهرين وعملية حارس الأسوار.
  2. رغم الحديث عن أهمية الحسم أمام غزة باعتبارها معضلة عانت منها الحكومات المتعاقبة إلا أن تهديدات غزة لا تقارن بالتهديدات التي تعترض إسرائيل من قبل إيران سواء مشروعها النووي أو محاولتها زيادة نفوذها في المنطقة او الخطر الذي يهدد تجارتها الخارجية في الساحة البحرية، او التحديات التي تواجهها على الجبهة الشمالية؛ بل إنها لم تجرؤ حتى اللحظة للرد على استهداف السفينة قبالة عمان أو الرد على القصف الصاروخي تجاه البلدات الشمالية رغم اعتراف حزب الله مسئوليته.
  3. الاعتراف ضمنيا بعدم جاهزية جيشها للدخول في مواجهة مباشرة لا على جبهة واحدة ولا على عدة جبهات في آن واحد، فالجيش البري يعاني من حالة ترهل وضعف دفعت الجنرال أهارون حليفا لوصفه بالقدم العرجاء؛ بل إنه عجز عن تجنيد عدد كافي من الجنود والآليات لتمرير خطة الخداع الاستراتيجية التي أعدتها قيادة المنطقة الجنوبية على مدار ثلاث سنوات متتالية اما سلاح الجو فإنه يعاني من تراكم الأعباء التي تقلل من قدرته على تنفيذ المهام الدفاعية والهجومية وقد تجلى ذلك بوضوح خلال العدوان الأخير حينما فشل في إيقاف إطلاق الصواريخ أو حماية الجبهة الداخلية.
  4. افتقار الجبهة الداخلية للقدرة على تحمل تداعيات المواجهة وخسائرها البشرية والمادية؛ حيث أظهرت الدراسات أن العملية الأخيرة تسببت في زيادة عدد المرضى النفسيين وفقدان الأمن الشخصي، عدا عن نقص الإمكانات اللازمة للتعامل مع حالة الطوارئ وقد تجلى ذلك بوضوح خلال الحريق الأخير في جبال القدس التي استمرت لثلاث أيام متتالية بسبب تعقيدات العمل رغم تجنيد غالبية طواقم الإطفاء والاستعانة بوحدات من سلاح الجو.
  5. تحذيرات مسئولين الصحة بقرب انهيار الجهاز الصحي بسبب أزمة الكورونا وارتفاع عدد الإصابات وتكدس المستشفيات في ظل نقص الإمكانات وتراكم الأعباء على العاملين فيها؛ ما دفعهم للمطالبة بتقديم العلاج المنزلي للمرضى؛ ما يعني ان الجهاز الصحي سيجد صعوبة في التعامل مع أزمة الكورونا وحالة الطوارئ وما يترتب عليها من وقوع إصابات.
  6. حرص الحكومة للحفاظ على تماسكها تمهيدا لتمرير الميزانية العامة للدولة في الكنيست لكي تضمن بقاءها في ظل تربص المعارضة لها وتهديدات بعض أعضاء الكنيست العرب بحلها في حال أقدمت على أي عمل عسكري تجاه غزة أو لبنان.
  7. أهمية الزيارة المرتقبة التي سيقوم بها رئيس الحكومة نفتالين بنت إلى واشنطن خلال الأيام القادمة باعتبارها فرصة لتعزيز مكانتها محليا ودوليا؛ عدا عن قرب انعقاد الجلسة السنوية لمجلس الأمن.
  8. الحرص على استمرارية المسيرة التعليمية وافتتاح العام الدراسي مطلع الشهر القادم؛ لمنع تكرار الفشل وتراكم الإخفاقات على المستوى التعليمي بعد ان تعطل بسبب الكورونا خلال العام الماضي، إذ أنها تعتبر التفوق العلمي أحد عناصر قوتها.
  9. اقتراب موسم الأعياد التي ستحل خلال الأيام القادمة والتي تعتبر فرصة لإنعاش الاقتصاد وخروجه من حالة الركود التي عانى منها بسبب أزمة الكورونا.

هذه الاعتبارات وغيرها تؤخذ بعين الاعتبار لدي صانعي القرار وتجبرهم للاعتراف بان القوة لها ضوابط وان من يمتلك القوة لا يعني بضرورة امتلاكه القدرة على فرض الإملاءات او تغيير المعادلات؛ ورغم التهديدات والتصريحات وتعدد التدريبات إلا أنها تبقي مؤشر على تراجع مكانة إسرائيل سياسيا وعسكريا واستمرار لتآكل قوة ردعها.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها

زر الذهاب إلى الأعلى